قبل عشر سنوات سافر بريطاني مصاب بمرض السرطان الى سويسرا وتجرع
شرابا مميتا من الباربيتورات بغية الانتحار والى جانبه ابنه وابنته.
كانت هذه الحالة الاولى من بين اكثر من 180 حالة لبريطانيين يحصلون على مساعدات
من أجل الانتحار في مؤسسة (ديغنيتاس Dignitas)، وهي مؤسسة سويسرية تأسست عام 1998
بغية تقديم مساعدة لاصحاب الامراض المزمنة والتي لا أمل في الشفاء منها للتخلص من
حياتهم.ونتيجة لذلك تستقبل المؤسسة في المتوسط 18 مواطنا بريطانيا يطرقون بابها سنويا منذ عام 2002، حيث يقدم الكثيرون منهم على السفر بدافع ما يواجهون من ظروف من اجل الانتحار خارج بلادهم.
ومع ايلاء اهتمام لتوقيت الموت وتفاديا للشعور بالالم، اصبحت النهاية البطيئة أسمى امنيات اناس امثال آن تورنر وبيتر سميدلي وجاكي ميكوك ممن يسافرون رحلتهم الاخيرة الى زيورخ.
وبالنسبة لمن يصاحبونهم في سفرهم، يكمن دوما الخوف من المثول للمحاكمة لكن حتى وقتنا هذا، لم يمثل اي ممن رافقوا البريطانيين ال182 للمحاكمة.
دوافع
منذ ذلك الوقت وخلال عقود اثير جدل واسع امام المحاكم العليا بشأن "الحق في الموت" لكل من اراد الحصول على مساعدة لانهاء حياته.وفي فبراير عام 2010 اصدر الادعاء العام توجيهات جديدة تحدد من يخضع للمحاكمة على خلفية مساعدة اخرين في الانتحار.
وقال ينبغي الاعتبار لطائفة من العوامل التي تضم دوافع الشخص الذي يقدم على تقديم المساعدة وقدرة الضحية على التوصل الى قرار واضح ومركز بشأن الانتحار.
وقالت سارة ووتون، المدير التنفيذي لمؤسسة (ديجنتي ان داينج Dignity in Dying) التي ترعى حملة تهدف الى تغير القانون والسماح بتقديم مساعدة من اجل الوفاة، ان التوجيهات الجديدة "لحظة فاصلة".
واضافت "لا ينبغي محاكمة الناس على تقديم مساعدة رحيمة. لابد ان نفرق بين ما هو جريمة وما هو غير ذلك."
فيما وصف اخرون، من بينهم انصار حملات لرعاية المعاقين، التوجيهات الجديدة بخطيرة وانها قد تؤدي الى زيادة الضغوط على المعاقين من اجل الانتحار.
لكن هذه التوجيهات لم تغير القانون البريطاني بأي حال من الاحوال، حيث مازال ينص قانون الانتحار 1961 على سجن كل من يساعد ويحرض اخرين على الانتحار لمدة تصل اقصاها الى 14 عاما.
اختيار الرعاية
مازال يمثل المتخصصون في حقل الرعاية الصحية للمحاكمة على خلفية ما قدموه من مساعدة للمرضى الذين يرغبون في الموت، كما تسير الاجهزة المعنية بالاطباء مثل الجمعية الطبية البريطانية والكلية الملكية لمزاولي المهنة من الاطباء وجمعية الطب المهدئ في نفس الدرب.يذكر ان دراسة اجريت عام 2006 لاعضاء الكلية الملكية للاطباء اظهرت ان ما يزيد على 70 في المئة يعارضون تغير القانون من اجل المساعدة في الانتحار.
وقالوا انه ينبغي ان يكون التركيز على تحسين رعاية من يقتربون من الوفاة. وكانت استجابة الحكومة عام 2008 من خلال نشر (استراتيجية رعاية نهاية الحياة) التي تشمل البالغين في انجلترا والتي تهدف الى اتاحة اكثر من خيار امام الناس والاختيار بين الحياة ام الموت.
غير ان ووتون قالت ان القانون غير مرن في صورته الحالية، واضافت "ان البرلمان غض الطرف عن 10 سنوات سافر فيها بريطانيون الى الخارج من اجل الانتحار. وتمشيا مع الرأس العام يجب تغير القانون على نحو يسمح بالاختيار بين الموت بمساعدة طبيب في المنزل أو في محيط ينطوي على الحماية الصريحة."
غير ان بيتر ساوندرس، مدير حملة (رعاية بدون قتل (Care Not Killing قال انه من بين جميع الوفيات في بريطانيا سنويا يعتبر عدد الذين يسافرون الى سويسرا من اجل الانتحار "صغير للغاية".
وقال "وسائل الاعلام البريطانية تبالغ في الترويج للحالات التي ترصدها وتجعلها اكبر من حجمها الحقيقي، غير ان العدد صغيرة جدا."
واضاف انه خلال السنوات الاربعة الاخيرة، لم يسجل المعدل السنوي للبريطانيين الذين يسافرون الى مؤسسة ديجنيتاس اي زيادة، وهذا مهم للغاية.
وقال ان الواجب الاول للقانون هو "حماية المواطنين، وذلك ربما يعني ان بعض الاشخاص المحددين ربما لا يحصلون على ما يرغبون فيه."
أنصار التغيير
يرغب البعض في ان يميز القانون بين القتل بدافع الرحمة و القتل حتى يتسنى لاناس امثال جين نيكلينسون مساعدة زوجها توني، الذي يعاني من متلازمة المنحبس (شلل رباعي مع بقاء الوعي)، على الموت في المنزل.جدير بالذكر ان الكاتب الروائي السير تيري براتشيت الذي شخصت حالته بمرض الزهايمر عام 2008 ومن انصار تقديم المساعدة من اجل الموت، اصبح من دعاة حملة تغير القانون.
وشارك براتشيت في فيلم وثائقي انتاج قناة بي بي سي الثانية تتبع الايام الاخيرة للبريطاني البالغ من العمر 71 عاما وسافر الى مؤسسة ديجنيتاس في سويسرا من اجل الانتحار.
يذكر انه في وقت سابق هذا العام بحثت لجنة معنية بالمساعدة من اجل الموت، وهي لجنة مستقلة تشكلت بتمويل من السير تيري براتشيت واخرين، تفاصيل قضية تقديم مساعدة من اجل الموت.
وتوصلت اللجنة الى ان اي تغيير للقانون ينبغي ان يتوازن مع الاعتبار لاستفادة الاشخاص من الإضل جودة للرعاية في نهاية الحياة و حماية المستضعفين في المجتمع.
وفي الوقت عينه قالت اللجنة انه ينبغي ان يتاح للناس خيارا اكبر والتحكم في كيفية الموت ووقته.
ومن المقرر ان يناقش مجلس اللوردات العام المقبل مشروع قانون بشأن تقديم المساعدة من اجل الموت.
جدل محتدم
لكن هل هناك اي احتمال في الواقع لتغيير القانون؟قال ساوندرس ان حملة (رعاية بدون قتل Care Not Killing) ستواصل الاعتراض على اي تغيير في القانون، الى جانب المهنيين في الحقل الطبي وجماعات حقوق المعاقين.
واضاف ان "قانون الانتحار 1961 مازال يفي بالغرض منه. ومازال يوفر اساسا رادع قويا. انه واضح ومنصف."
وتتوقع مؤسسة "ديجنتي ان داينج Dignity in Dying" تحرك الكثير من الدول نحو اصباغ صفة القانونية على اجراء تقديم المساعدة من اجل الموت، بعد ان طرحت بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا قانونا يسمح بتقديم المساعدة من اجل الموت في حين تنظر فرنسا واسبانيا حاليا في اصلاح قوانينها.