سلطان العميمي
Related Nodes: رسم لقصص قصيرة.jpg
تفاصيل صغيرة
أخبَرَته بسعادة أن التفاصيل الصغيرة للأشياء كفيلة بإشغالها عن الأشياء الكبيرة، وبعد سنوات اكتشف أنه كان شيئاً كبيراً في حياتها.
مظلة مطر
اختارتني بين جميع من كانوا يحملون مظلاتهم، كنت في طريقي إلى إحدى المكتبات عندما انسلّت من مكانها لتدخل في حماية مظلتي من المطر الذي انهمر فجأة بشدة، لوهلة شعرت بقوة أمتلِكُها وأجْهلها جَعَلَتْها تختارني بين عشرات الأشخاص الذين كانوا يعبرون الطريق ذاته.
التفَتَتَ نحوي بعد أن أخذت مكانها تحت المظلة وسألتني بابتسامة عريضة: هل تسمح؟ وبذهول أجبتها: بكل تأكيد..
في كامل أناقتها، اتخذت موقعها أمامي، شعرها الكستنائي كان يخفي رقبة طويلة بانت لي في التفاتتها تلك، ملامحها دلّت على أنها في العشرينات من عمرها، كانت خطواتنا متناغمة الإيقاع كشخصين تدربا على المشي في مساحة ضيقة دون أن يصطدما.
انهمرت الأسئلة على رأسي كزخّات مطر، هل بَدَوتُ وسيماً في عينيها؟ أم بَدَوْتُ لها شخصاً محترماً جديراً بالثقة والأمان؟ هل أفتح معها باباً للحوار؟ وأسألها إن كانت نسيت حمل مظلتها اليوم بالذات؟ وإلى أين تريد الذهاب الآن؟ هل أعرض عليها إيصالها إلى حيث تريد؟ هل أخبرها أني في طريقي إلى المكتبة التي تبعد خمس دقائق من هنا؟ ماذا لو كان بيتها يبعد عشرين دقيقة وطلبت مني أن أوصلها إليه؟ ولو أوصلتها هل ستلحّ عليّ بالدخول معها لشرب الشاي؟ ولو دَخَلْتُ، هل سنصبح أصدقاء بسبب ما حدث؟ هل سنتبادل أرقام هواتفنا ونتذكر هذه الحادثة بين الحين والآخر؟ أو كلما خرجنا تحت المطر؟
كان الموقف محفزاً لخيالي، واستغْرَبْتُ من أنها لم تطلب أن أتجه إلى مكان معين، هل هي ذاهبة مثلي إلى المكتبة؟ هل تعلم أني من روّادها دائماً؟ هل لمحتني مرة فيها وأرادت التعرّف إليّ، فلجأت إلى هذه الحيلة؟
قررت أن أسألها عن وجهتها.
وتمنّيت لو تجيب بأنها متجهة إلى المكتبة، سأتصنع الدهشة حينها وأقول لها مبتسماً إني في طريقي إليها أيضاً، كنّا نمر أمام مجمّع تجاري كبير عندما نظرت إليّ فجأة وقالت مبتسمة: شكراً، لقد وصلت إلى وجهتي، وانسلّت إلى داخل المجمّع دون أن تنتظر مني جواباً، لأكمل طريقي وحيداً، بينما المطر وأسئلتي يتساقطان بقوةٍ على الأرض.
عين رمادية
تأملت وجهه جيداً، ملامحه لم تكن غريبة، والشامة الكبيرة على مقدّم أنفه لم يكن يحملها إلا وجهه، لكن أنفه ليس الذي تعرفه، وبشرته بدت أكثر اسمراراً، أما عيناه فكانتا شاردتين تنظران بعيداً، أيكون شخصاً يشبهه؟ أم إنها تحلم؟
لكن كيف عاد إلى الحياة وكثيرون أخبروها أنه مات!
أيكون حلماً كالعادة؟ إذ كثيراً ما رأت نفسها في الحلم أنها تحلم!؟
لكن إن كان حلماً أيفترض استمرار أحداثه إلى الآخر رغم إحساسها بذلك فيه؟
لاحظت أيضاً أن مقلة عينه اليسرى رمادية اللون كعيون بعض كبار السن، التقت عيناهما فندت عنه ابتسامة خفيفة، ثم أزاح بصره بعيداً.. أيكون قد عرفها ولا يريد لفت الأنظار إليهما؟
جلس على رصيف الطريق مثل بقية زملائه العمال، كان الوحيد الذي يختلف زيّه عنهم، بدأ يحرك قدمه على الأرض كمن يدندن بأغنية، وفي الوقت نفسه بدرت عن أصابع يده اليسرى حركات غير منتظمة، أتكون إشارات معينة لها أم إنها حركات عشوائية تدل على عدم اتزان تصرفاته؟
لكن كل هذا قد يكون حلماً لا طائل من التدقيق في تفاصيله، ألا يجب أن تستيقظ إذاً؟ إذ لا يمكن أن يكون ما تراه حقيقة، وإن كان حقيقة فأي كارثة في عودة ميت بعد رحيله بخمس سنوات؟
لا بد أن تقترب منه أكثر كي تقطع الشك باليقين، لكن هل يكفي اقترابها؟ وبأي حق تقترب سيدة أنيقة من عمال الظهيرة الذين يملأون موقف انتظار حافلة عملهم بعد يوم شاق؟
أرادت أن تصرخ لتقول كفى!
لكن حافلة العمال كانت قد توقفت لحظتها ليصعد إليها العمال بمن فيهم هو!
وفور أن تحركت أخرج رأسه من النافذة والتفت إليها غامزاً بعينه الرمادية ومبتسماً بخبث، قبل أن تختفي به الحافلة في طريق فرعي.
سهرة
سهر وزوجته لمشاهدة فيلم عن فتاة اكتشفت أن حبيبها يرتبط بعلاقة غرامية مع أخرى، وفي اللقطة التي كانت فيها الفتاة تبكي وحيدة في غرفتها بسبب ذلك، غفت الزوجة على الأريكة، فمد الزوج يده إلى الشاشة لمسح دموع الفتاة التي مدت يدها لتسحبه إليها، ثم ظهر على الشاشة فاصل إعلاني لربع ساعة، عاد بعدها الزوج السعيد إلى مشاهدة الفيلم إلى جانب زوجته النائمة.
سقوط
منذ أن سقط من على الجسر وهو ينتظر لحظة ارتطامه بالقاع.. كان يهوي منذ أيام ولا يزال.. شعر بالبرد والجوع.. أراد أن يدفأ ويأكل.. لم تكن أغصان الأشجار التي يمر بها صالحة للأكل أو حتى التشبث بها كي يلتقط أنفاسه.. تمنى لو ينام قليلاً.. لدقائق، تذكر أنه في يوم سقوطه كانت أمه في طريقها إليه من المطار بعد عشر سنوات من غيابها في الخارج.. وتذكر أن باب بيته كان مغلقاً، ترى أين ستذهب؟
تمنى لو يبكي؛ لكن أحداً لن يسمعه، أما الليل الذي يحل عليه فكان يكرهه خشية أن يصطدم في الظلام بطرف حاد يعترض حافتى الهاوية.. تمنى ألا يسقط على رأسه كي لا ينزف كثيراً.. وتمنى لو يعرف ماذا ينتظره في الأسفل.. تذكر فجأة أن اختبار الماجستير كان موعده اليوم التالي لسقوطه.. وعدم حضوره كان يعني السقوط.. بينما هو مستمر في السقوط.. مستمر من دون توقف..
ندوة
استأذن مبكراً من الندوة التي شارك بها عن عدم جواز إنشاء كنائس في بلاد المسلمين، كي يتمكن من إنهاء مقالته عن افتتاح أكبر مسجد في أوروبا.
حراسة
يحرسها أخوها كل صباح عند ذهابها إلى الجامعة.. يحرسها والدها في كل زياراتها للسوق.. تحرسها أمها في كل حفلة تحضرها.. يحرس هو نافذة غرفتها كل ليلة.. وتحرس هي أحلاماً لا قيود عليها.
إمبراطورية
قائد الجيش للإمبراطور: لقد انتهينا للتو يا سيدي من سحق المعارضين في إمبراطوريتنا العظيمة.
- عظيم، إذاً لندع مجلس الوزراء لاجتماع نبحث فيه شؤون المرحلة القادمة للإمبراطورية.
- لكن لم يبق على قيد الحياة في الإمبراطورية إلا أنت وأنا.
Related Nodes: رسم لقصص قصيرة.jpg
تفاصيل صغيرة
أخبَرَته بسعادة أن التفاصيل الصغيرة للأشياء كفيلة بإشغالها عن الأشياء الكبيرة، وبعد سنوات اكتشف أنه كان شيئاً كبيراً في حياتها.
مظلة مطر
اختارتني بين جميع من كانوا يحملون مظلاتهم، كنت في طريقي إلى إحدى المكتبات عندما انسلّت من مكانها لتدخل في حماية مظلتي من المطر الذي انهمر فجأة بشدة، لوهلة شعرت بقوة أمتلِكُها وأجْهلها جَعَلَتْها تختارني بين عشرات الأشخاص الذين كانوا يعبرون الطريق ذاته.
التفَتَتَ نحوي بعد أن أخذت مكانها تحت المظلة وسألتني بابتسامة عريضة: هل تسمح؟ وبذهول أجبتها: بكل تأكيد..
في كامل أناقتها، اتخذت موقعها أمامي، شعرها الكستنائي كان يخفي رقبة طويلة بانت لي في التفاتتها تلك، ملامحها دلّت على أنها في العشرينات من عمرها، كانت خطواتنا متناغمة الإيقاع كشخصين تدربا على المشي في مساحة ضيقة دون أن يصطدما.
انهمرت الأسئلة على رأسي كزخّات مطر، هل بَدَوتُ وسيماً في عينيها؟ أم بَدَوْتُ لها شخصاً محترماً جديراً بالثقة والأمان؟ هل أفتح معها باباً للحوار؟ وأسألها إن كانت نسيت حمل مظلتها اليوم بالذات؟ وإلى أين تريد الذهاب الآن؟ هل أعرض عليها إيصالها إلى حيث تريد؟ هل أخبرها أني في طريقي إلى المكتبة التي تبعد خمس دقائق من هنا؟ ماذا لو كان بيتها يبعد عشرين دقيقة وطلبت مني أن أوصلها إليه؟ ولو أوصلتها هل ستلحّ عليّ بالدخول معها لشرب الشاي؟ ولو دَخَلْتُ، هل سنصبح أصدقاء بسبب ما حدث؟ هل سنتبادل أرقام هواتفنا ونتذكر هذه الحادثة بين الحين والآخر؟ أو كلما خرجنا تحت المطر؟
كان الموقف محفزاً لخيالي، واستغْرَبْتُ من أنها لم تطلب أن أتجه إلى مكان معين، هل هي ذاهبة مثلي إلى المكتبة؟ هل تعلم أني من روّادها دائماً؟ هل لمحتني مرة فيها وأرادت التعرّف إليّ، فلجأت إلى هذه الحيلة؟
قررت أن أسألها عن وجهتها.
وتمنّيت لو تجيب بأنها متجهة إلى المكتبة، سأتصنع الدهشة حينها وأقول لها مبتسماً إني في طريقي إليها أيضاً، كنّا نمر أمام مجمّع تجاري كبير عندما نظرت إليّ فجأة وقالت مبتسمة: شكراً، لقد وصلت إلى وجهتي، وانسلّت إلى داخل المجمّع دون أن تنتظر مني جواباً، لأكمل طريقي وحيداً، بينما المطر وأسئلتي يتساقطان بقوةٍ على الأرض.
عين رمادية
تأملت وجهه جيداً، ملامحه لم تكن غريبة، والشامة الكبيرة على مقدّم أنفه لم يكن يحملها إلا وجهه، لكن أنفه ليس الذي تعرفه، وبشرته بدت أكثر اسمراراً، أما عيناه فكانتا شاردتين تنظران بعيداً، أيكون شخصاً يشبهه؟ أم إنها تحلم؟
لكن كيف عاد إلى الحياة وكثيرون أخبروها أنه مات!
أيكون حلماً كالعادة؟ إذ كثيراً ما رأت نفسها في الحلم أنها تحلم!؟
لكن إن كان حلماً أيفترض استمرار أحداثه إلى الآخر رغم إحساسها بذلك فيه؟
لاحظت أيضاً أن مقلة عينه اليسرى رمادية اللون كعيون بعض كبار السن، التقت عيناهما فندت عنه ابتسامة خفيفة، ثم أزاح بصره بعيداً.. أيكون قد عرفها ولا يريد لفت الأنظار إليهما؟
جلس على رصيف الطريق مثل بقية زملائه العمال، كان الوحيد الذي يختلف زيّه عنهم، بدأ يحرك قدمه على الأرض كمن يدندن بأغنية، وفي الوقت نفسه بدرت عن أصابع يده اليسرى حركات غير منتظمة، أتكون إشارات معينة لها أم إنها حركات عشوائية تدل على عدم اتزان تصرفاته؟
لكن كل هذا قد يكون حلماً لا طائل من التدقيق في تفاصيله، ألا يجب أن تستيقظ إذاً؟ إذ لا يمكن أن يكون ما تراه حقيقة، وإن كان حقيقة فأي كارثة في عودة ميت بعد رحيله بخمس سنوات؟
لا بد أن تقترب منه أكثر كي تقطع الشك باليقين، لكن هل يكفي اقترابها؟ وبأي حق تقترب سيدة أنيقة من عمال الظهيرة الذين يملأون موقف انتظار حافلة عملهم بعد يوم شاق؟
أرادت أن تصرخ لتقول كفى!
لكن حافلة العمال كانت قد توقفت لحظتها ليصعد إليها العمال بمن فيهم هو!
وفور أن تحركت أخرج رأسه من النافذة والتفت إليها غامزاً بعينه الرمادية ومبتسماً بخبث، قبل أن تختفي به الحافلة في طريق فرعي.
سهرة
سهر وزوجته لمشاهدة فيلم عن فتاة اكتشفت أن حبيبها يرتبط بعلاقة غرامية مع أخرى، وفي اللقطة التي كانت فيها الفتاة تبكي وحيدة في غرفتها بسبب ذلك، غفت الزوجة على الأريكة، فمد الزوج يده إلى الشاشة لمسح دموع الفتاة التي مدت يدها لتسحبه إليها، ثم ظهر على الشاشة فاصل إعلاني لربع ساعة، عاد بعدها الزوج السعيد إلى مشاهدة الفيلم إلى جانب زوجته النائمة.
سقوط
منذ أن سقط من على الجسر وهو ينتظر لحظة ارتطامه بالقاع.. كان يهوي منذ أيام ولا يزال.. شعر بالبرد والجوع.. أراد أن يدفأ ويأكل.. لم تكن أغصان الأشجار التي يمر بها صالحة للأكل أو حتى التشبث بها كي يلتقط أنفاسه.. تمنى لو ينام قليلاً.. لدقائق، تذكر أنه في يوم سقوطه كانت أمه في طريقها إليه من المطار بعد عشر سنوات من غيابها في الخارج.. وتذكر أن باب بيته كان مغلقاً، ترى أين ستذهب؟
تمنى لو يبكي؛ لكن أحداً لن يسمعه، أما الليل الذي يحل عليه فكان يكرهه خشية أن يصطدم في الظلام بطرف حاد يعترض حافتى الهاوية.. تمنى ألا يسقط على رأسه كي لا ينزف كثيراً.. وتمنى لو يعرف ماذا ينتظره في الأسفل.. تذكر فجأة أن اختبار الماجستير كان موعده اليوم التالي لسقوطه.. وعدم حضوره كان يعني السقوط.. بينما هو مستمر في السقوط.. مستمر من دون توقف..
ندوة
استأذن مبكراً من الندوة التي شارك بها عن عدم جواز إنشاء كنائس في بلاد المسلمين، كي يتمكن من إنهاء مقالته عن افتتاح أكبر مسجد في أوروبا.
حراسة
يحرسها أخوها كل صباح عند ذهابها إلى الجامعة.. يحرسها والدها في كل زياراتها للسوق.. تحرسها أمها في كل حفلة تحضرها.. يحرس هو نافذة غرفتها كل ليلة.. وتحرس هي أحلاماً لا قيود عليها.
إمبراطورية
قائد الجيش للإمبراطور: لقد انتهينا للتو يا سيدي من سحق المعارضين في إمبراطوريتنا العظيمة.
- عظيم، إذاً لندع مجلس الوزراء لاجتماع نبحث فيه شؤون المرحلة القادمة للإمبراطورية.
- لكن لم يبق على قيد الحياة في الإمبراطورية إلا أنت وأنا.
Comments
Post a Comment